في الوقت الذي تصر فيه إثيوبيا على الملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل، رغم عدم التوصل لاتفاق ملزم يحفظ حقوق مصر والسودان، فهل هناك بدائل لتحمل أضرار سد النهضة على كل من دولتي المصب؟. وكان وزير الري والمياه الإثيوبي قد أكد أن بلاده تعتزم الملء الثاني لسد النهضة في شهر يوليو 2021 دون تراجع، بينما تؤكد كل من مصر والسودان رفضهما لأي تصرف أحادي من قبل إثيوبيا، وتأكيدهما على رفض الملء الثاني قبل التوصل لاتفاق ملزم قانونا ومرض للدول الثلاث. وفي كثير من المناسبات يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على الثوابت المصرية بشأن سد النهضة، خاصة فيما يتعلق باستئناف المفاوضات الثلاثية لبلورة اتفاق قانوني ملزم وشامل بين كافة الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوق مصر في مياه النيل. ما هي أضرار سد النهضة؟ بداية تتركز الخلافات بين مصر وإثيوبيا حول نقطتين رئيسيتين، الأولى سنوات الملء والتشغيل، الثانية الحفاظ على منسوب المياه ببحيرة ناصر عند 165 مترا. ويوضح الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، أن أضرار سد النهضة الأولية تتمثل في حجز مياه النيل الأزرق لملء السد الأثيوبى، مؤكدا أن مضر وحدها هي من تتحمل هذا الضرر. وأضاف علام، خلال منشور له عبر صفحته على موقع فيس بوك، أن السودان لن تتحمل أى نقص مائى وستأخذ حصتها كاملة، وستقوم مصر بتحمل هذا العجز المائى كاملا؟ وذلك إعتمادا على المخزون المائى للسد العالى. وبحسب وزير الري والموارد المائية الأسبق، فإن المخزون المائي هو 90 مليار متر مكعب، الهدف من تخيزنه لاستخدامه في سنوات العجز المائي (الجفاف)، وبالتالي الجفاف الناتج من ملء سد النهضة سيعتبر عجزا إضافيا (جفافا صناعيا) ليتعامل معه مخزون السد العالي، لافتا إلى أن مصر وافقت على ذلك. وأكد علام أن مصر وحدها ستتحمل النتائج السلبية لملء خزان السد الأثيوبى، ومع ذلك ترفض إثيوبيا التعاون مع مصر خلال سنوات الجفاف. تهديد مليون مزارع مصري ويمتد تأثير سد النهضة إلى قطاع الزراعة في مصر، بحسب وزير الري المصري محمد عبد العاطي، الذي حذر من أن السد سيؤدي إلى حدوث مشكلة كبيرة تهدد ببوار 200 ألف فدان في مصر، نتيجة خفض حصة مصر من مياه النيل بما يتجاوز 2 في المائة. ويهدد سد النهضة بتضرر مباشر لنحو مليون مليون مواطن يعملون في الزراعة والأنشطة المتعلقة بها، وقد يساهم في زيادة الهجرة غير الشرعية، وفقا لوزير الري الدكتور محمد عبد العاطي، مشيرا إلى أن 95% من الأراضي في مصر صحراء ويتم الاعتماد على مياه النيل بنسبة 95% . وسبق أن توقعت وزارة الموارد المائية والري المصرية انخفاض 9% من حصة مياه النيل، مما دعاها إلى رفع حالة الطوارئ القصوى لتوفير الاحتياجات المائية للبلاد، خاصة مياه الشرب. انخفاض المياه لـ 600 م3 سنويا ووفق تقديرات حكومية، وصلت نسبة الإجهاد المائي في مصر إلى 140%، مما يعني أن حصة المواطن المصري من مياه النيل انخفضت لنحو 600 متر مكعب سنويا، وهذه النسبة تعتبر أقل 40% من خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة عند 1000 متر مكعب للفرد سنويا. وهناك توقعات بحرمان مصر من 15 مليار متر مكعب سنويا من حصتها في مياه نهر النيل حال انتهاء إثيوبيا من ملء خزان سد النهضة (74 مليار متر مكعب) على مدار 5 سنوات. وتبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل 55 مليار متر مكعب سنويا، ويوفر النهر نحو 90% من احتياجات البلاد من المياه، في حين تأتي النسبة المتبقية من المياه الجوفية والأمطار وتحلية مياه البحر. مصير السد العالي ولعل أبرز المخاوف التي يحذر منها خبراء المياه، هي تأثير سد النهضة على السد العالي، إذ من المتوقع أن تنخفض قدرته على إنتاج الكهرباء، فضلا عن نقص المخزون الاستراتيجي من المياه في بحيرة ناصر خلف السد. وبحسب الدكتور علاء الظواهري، عضو لجنة التفاوض لسد النهضة، فإنّ بحيرة ناصر ستسطيع التعامل مع إخراج عجز المياه الذي من الممكن أن يتسبب فيه سد النهضة، ولكن هذا سيؤدي إلى تناقص المخزون الاستراتيجي من المياه في البحيرة. وأوضح الظواهري، في تصريحات تلفزيونية سابقة، أنّ أبرز المشاكل التي ستواجه مصر جراء سد النهضة، هي حدون جفاف طبيعي وآخر صناعي، لاسيما في فترات الجفاف. وأشار إلى أنه لتقليل الأضرار، لابد أن يتعامل السد العالي وسد النهضة سويا، وذلك من خلال إطلاق أثيوبيا لكميات من المياه، لاسيما في فترات الجفاف، لافتا إلى أن مصر ركزت طوال جلسات التفاوض على الضوابط التي تحكم عملية الملء والتشغيل في فترات الجفاف. وبحسب الظواهري، فإن ما يصل من مياه للسد العالي في مصر ليس رقما ثابتا، لذلك طالبوا أثيوبيا أن تقوم بتصريف المياه خلال فترات الجفاف، بما يقلل الضرر على السد العالي وعلى مصر. ووفقا لخبراء مياه، فإنه من المتوقع أن يؤدي انخفاض حصة مصر من المياه إلى انخفاض منسوب المياه في بحيرة ناصر خلف السد، ما يعني عدم القدرة على إنتاج الكهرباء من محطة توليد كهرباء السد العالي، الذي يعمل بطاقة 2100 ميغا واط يوميا من الكهرباء. وكان الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، قد سبق وأن حظر من تأثير سد النهضة على السد العالي، مشددا على ضرورة التوصل لاتفاق مع أثيوبيا وحل النقاط الخلافية بشأن ملء السد، حتى لا تفقد مصر كهرباء السد العالي. كما حذر خبراء بمعهد ماساتشوستس الدولى للتكنولوجيا، من الآثار السلبية لسد النهصة الإثيوبي على السد العالي، لذا اقترحوا أن تتم إدارة سد النهضة والسد العالى واحتياطى السودان من المياه بالتنسيق بين الدول الثلاث، للحماية من الجفاف. فيما أشار رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الإفريقية، أنه لم يتأثر بما حدث فى سد النهضة ويمد مصر باحتياجاتها اليومية بصورة طبيعية، وسوف يصل إيراد هذا العام متأخرًا 3 أسابيع فى منتصف أغسطس بسبب حجز اثيوبيا لمياه الثلاثة أسابيع الأولى من يوليو. وأوضح أن مصر تحتاج المياه حوالى 3 أسابيع للوصول من سد النهضة الى السد العالى فى رحلة طولها 2000 كم، مؤكدا أن السد العالى ومصر بخير وحقوقنا لن ينال منها أحد قائلًا: "لن نتنازل عن حقنا". خسائر الإنتاج الحيواني والسمكيوتصل أضرار سد النهضة إلى تحقيق خسائر بنحو 9.8 مليار جنيه للإنتاج الحيواني والسمكي، فيما تقدر خسائر التجارة الخارجية نتيجة زيادة الواردات ونقص الصادرات بنحو 97.8 مليار جنيه سنويا.
ووفقا للتقديرات فإن إجمالي الخسائر المصرية المباشرة في الزراعة فقط تصل إلى نحو 151 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء. تأثير سد النهضة على البيئة وبخلاف التأثير على مياه النيل والزراعة، فإن لسد النهضة عواقب بعيدة المدى تنعكس بالسلب على البيئة، وفقا لموقع rnd.de الألماني، وذلك نتيجة ملح وتصحر الأراضي. وأشار الموقع إلى أنّ مثل هذه السدود المائية تُلحق أضرارًا هائلة بالبيئة مثل التعرية، وتملّح التربة وسوء نوعية المياه والتبخّر. وتصف منظمة "River Watch" هذا السد بأنه "أحد أسوأ التدخلات في الطبيعة"، فيما تتحدث جمعية "Save the Rainforest" عن "إبادة لجميع أنواع الحيوانات والنباتات". وتطرّق التقرير إلى أطروحات علمية كاملة للخبير الألماني بمركز علوم الأرض التطبيقية بجامعة توبنجن، كريستيان تسارفلـ حول الأضرار التي تلحقها السدود المائية بالبيئة، والذي يرى أنه من المستحيل القول بشكل عام ما إذا كانت فوائد السد - مثل توليد الكهرباء بطريقة صديقة للمناخ أو السيطرة على الفيضانات - تفوق الأضرار الناتجة عنه. وأضاف الخبير الألماني،كريستيان تسارفل، أنّ كل سد مائي يُشكّل تغييرًا في تدفق المياه، حتى السدود الصغيرة جدًا تُسبّب تغييرًا في النظام البيئي، على حد قوله. تأثير سد النهضة على السودانوتحذر السودان من أن الملء الثاني لسد النهضة، يشكل خطرًا على سد الروصيرص السوداني، و20 مليون مواطن سوداني يعيشون على ضفاف النيل الأزرق، وعلى كل الحياة على النيل الأزرق خلف سد الروصيرص، بما في ذلك التوليد المائي من خزان الروصيرص، وسد مروي. وأكد وزير الري السوداني، ياسر عباس، أن أي ملء أحادي لخزان سد النهضة سيمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي السودانى. كما يؤثر سد النهضة على محطات مياه الشرب على النيل الأزرق والنيل الرئيسي، حتى مدينة عطبرة، إضافة إلى التأثير السلبي على مشاريع الري على النيل الأزرق، والنيل الرئيسي، وفوق كل ذلك تهديد حياة وسلامة نحو نصف سكان السودان على ضفاف النيل الأزرق، بحسب رئيس الجهاز الفني بوزارة الري السوداني المهندس مصطفى حسن. هل هناك بدائل؟وعن إذا ما كانت هناك بدائل لتحمل ضرر سد النهضة، قال الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، أن البعض قد يرى تقسيم مياه تخزين سد النهضة على كل من مصر والسودان بالمناصفة أو بأى نسبة أخرى يتفق عليها، وبالتالى لاتتحمل مصر الأضرار كلها التى تتمثل فى:- خفض كبير فى كهرباء السد العالى- تهديد المخزون المائى الاستراتيجى لمصر ونقله للهضبة الأثيوبية- تعرض مصر لامكانية تحكم أثيوبيا فى الأمن المائى المصرى، كما جاء فى الندوة الاسرائيلية الأثيوبية والتى عقدت فى اسرائيل منذ عدة أيام مضت. وأوضح علام أن مصر تريد من المفاوضات التوصل لاتفاق بين الدول الثلاثة حول ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحقق التنمية الأثيوبية المنشودة وبدون أضرار جسيمة بدولتى المصب كما تعهدت الدول الثلاثة فى إعلان المبادئ وتبعا لمبادئ القانون الدولى. ويتضمن الاتفاق ثلاث أليات :"ألية للتنسيق ومتابعة التنفيذ وتسجيل أى مخالفات، ألية لحل أى خلاف فى تفسير ما تم الاتفاق عليه وكيفية تنفيذه، ألية لضمان تنفيذ القانون الدولى فى أى مشاريع مستقبلية". فيما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على استعداد مصر للمفاوضات، قائلا :"نحن في مرحلة التفاوض بشأن سد النهضة، ويوجد كلام كتير أوي في هذه القضية، ونحن قمنا بإجراءات داخلية أخرى بخصوص المياه مثل المعالجات وغيرها". وأضاف السيسي، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج الحكاية عبر فضائية إم بي سي مصر :"مصر في مرحلة تفاوض مع سد النهضة والتفاوض بيطول وعملت إجراءات في مصر لتنوع مصادر المياه، وهنوصل لنتيجة في سد النهضة بطولة البال والصبر وليس علينا القلق أبدًا".